سقوط الأندلس وبداية أمريكا


يذكر التاريخ أن كريستوفر كولومبوس رحالة شاءت الأقدار أن يذهب لأرض لم يكتشفها البشر من قبل، بها بعض القبائل الهمجية العارية، وبها بعض التوابل، وبهذا اكتشف الرحالة كولومبوس الأمريكتين، لكن الحقيقة غير ذلك!

وفي سعينا للحقيقة لابد أن نجيب عن سؤالين هما: هل كولومبوس أول من اكتشف الأمريكتين؟ وما هدف كولومبوس الأصلي من رحلته؟

 ☀ سقوط الأندلس :

فاجعة إسلامية مازال خيالنا قاصراً عن الإلمام بها، سقوط الأندلس وقتل شعبها وتشريدهم، لم يف النصاري بعهودهم للمسلمين بالأمان، أعلنت محاكم التفتيش وأقيمت حفلات حرق الكتب والبشر أيضا، وشي الجلد وطهي اللحم وسحق العظم، والتفنن في التعذيب لأبشع درجات الحقد، وقتل كل من يشتبه في أنه لم يدخل النصرانية حقيقة، جرموا التحدث بالعربية.

ويذكر أنهم كانوا يقتلون من يهتم بنظافته للاشتباه في أنه مازال محافظاًَ على إسلامه، يأخذون الناس بالشك والشبهة ويقتلون من كل عشرة يعرضون للتفتيش واحدا أو اثنين، حتى ولو لم يشتبه بهم أنهم ليسوا على الكاثوليكية، ومن لا يذهب للكنيسة يقتل أو يحرق، كانت رائحة شواء العشرات من الرجال والنساء في حفلة من حفلات الشواء للمحاكم التفتيشية رائحة مقدسة. نامت الأندلس عقوداً عديدة علي هذا الظلام والكابوس وروائح الشواء وصراخ الأبرياء!

قال غوستاف لوبون في كتابه “حضارة العرب” عن محاكم التفتيش: «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع. واقترح القس “بليدا” قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين».

قالت المستشرقة سيجريد هونك في كتابها شمس الله تشرق على الغرب: وبينما عاشت النصرانية في ظل الحكم الإسلامي قرونًا طوالاً – في الأندلس، وفي صقلية، والبلقان – فإن “انتصار النصرانية على الإسلام – في الأندلس سنة 1492م – لم يَعْنِ سوى طرد المسلمين واليهود واضطهادهم وإكراههم على التنصُّر، واستئناف نشاط محاكم التفتيش التي قامت بتعقب كل من يتخذ سوى الكاثوليكية دينًا، والحرقِ العلني في احتفالات رسمية تحفُّها الطقوس والشعائر الكنسية لكل من اعتنق الإسلام أو اليهودية

كيف أنهم أخلوا مدناً بأكملها، كيف أبادوا الآلاف، كيف أرهبوا الملايين، كيف أنهم بدلوا الأندلس من شعب لشعب آخر، ومن ثقافة لأخرى بالبطش والدماء، كيف اشتعلت هذه الروح الخبيثة بحضارة عظيمة تدين لها البشرية حتى يومنا هذا، لم يكتفوا بذلك، لم يكتفوا بأنهم قتلوا وشردوا وهجروا. خرجت جيوش الأسبان على الجزر والمغرب والجزائر تطارد الأندلسيين، كأنها تقول: إن محاكم التفتيش ستطالك أينما كنت في أي مكان وأي عصر، عاش المغرب العربي ثلاثمائة عام يحارب أولئك الملاعين ويقاومهم ببطولة وفداء.

 ☀ ما علاقة كولومبوس  ؟ :

كريستوفر  الاسم نفسه معناه حامل المسيح، العديد من المؤرخين الأسبان كشفوا عن مدى تعصب هذه الشخصية ودناءتها، السبب الرئيس لرحلة كولومبوس ـ أخبرتنا به رسائل كولومبوس نفسها  بعضها ظاهر وبعضها باطن ـ أن يتتبع المسلمين الفارين من جحيم النصاري في الأندلس، والذين هربوا للأرض التي تعرف اليوم بأمريكا!

الأمريكتان عامرتان بالذهب، لقد قالها في إحدى رسائله أن الذهب في هذه الأرض “التي كان يظنها الهند” سيوفر التموين اللازم لاسترجاع أورشليم من المسلمين.

تقول كارول ديليني في كتابها كولومبوس والبحث عن أورشليم أن كولومبوس كان يحمل الاعتقاد السائد في وقتها بعض النصاري واليهود، وهو الاعتقاد بقرب حلول نهاية العالم الألفية، ومن هنا تنطلق لتثبت رأيها بأن هدفه لم يكن الثروة في حد ذاتها، وإنما من أجل تنفيذ المعتقد الديني، أي الاستعداد للألفية الحتمية، ليوم القيامة، لاسترجاع أورشليم، ومطاردة المسلمين بكل مكان بالمعمورة وغيرهم.

المؤلفة ترى التدين والعصبية الدينية في كل تصرفات كولومبوس وخططه ودوافعه. الهدف هو الاستعداد لنهاية العالم. لذا نراها تعرض حسابات كولومبوس الرياضية التي حاول من خلالها تحديد موعد القيامة.

يقول ليون فيرنيل  بروفيسور في جامعة هارفرد: “إن كريستوفر كولومبس كان واعيًا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا قبل مجيئه إليها”.

في كتابه “قصة أمريكا” أورد المؤرخ باري نيل الكثير من الأدلة (بلغت 565 تسجيلاً) تشير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، ومن بين هذه الأدلة خرائط وآثار وأسماء عربية مثل مكة (اسم لقبيلة هندية)، ومنى وأحمد ومحمد والمرابطين، إضافة إلى كثير من العادات والتقاليد التي تؤكّد وجود اتصال بين هنود أمريكا والمسلمين العرب.

والمستشرق الإنجليزي دي لاسي  أورد في كتابه “الفكر العربي ومكانه في تاريخ الغرب” حيث ذكر الرحلات التي قام بها المسلمون في عام 1312م، وهي روايات صحيحة مقارنة بما كان عند المسلمين في تلك الفترة من خبرة واسعة في الملاحة البحرية، وأكّد أنه لا يوجد شك من وصولهم في أمريكا قبل كولومبس.

التراث الأندلسي حافل بالأدلة بأن الأمريكتين كانت أرضاً معروفة لدى العرب والمسلمين والبحارة. رسم المسعودي في خرائطه مناطق في المحيط الأطلسي (غرب القارة الإفريقية والأوروبية) سماها الأرض المجهولة، بل إن العلماء المسلمين كانوا يعرفون المسافة بالضبط بينها وبين الأندلس كما بين الكوفة والمغرب وهي مسافة دقيقة وعجيبة.

وفي كتاب (أحوال التربية الإسلامية في أمريكا) ذكر الدكتور كمال النمر أن بعض البحارة المسلمين انطلقوا من الأندلس (عام 1150م) واستقروا على شواطئ ما يعرف الآن بـ «البرازيل»، كما وجدت في أسبانيا تقارير تعود لعام 1790 عن مغاربة مسلمين هاجروا من أسبانيا – زمن الاضطهاد – واستوطنوا جنوب كاليفورنيا وفلوريدا.

كولومبس نفسه استعان في رحلته الشهيرة بمرشدين مسلمين مغاربة (زاروا أمريكا من قبل)، وأن المكتشف الأسباني فراماركوس دينيز استعان بمرشد مغربي اسمه إسطفان

وهناك أخبار عديدة عن بحارة حملوا كنوزاً كثيرة من هذه الأرض، وهناك في التراث الأندلسي الإسلامي وصف لما نسميهم اليوم الهنود الحمر، إضافة لخبر الملك المالي المسلم أبو بكر الثاني بن محمد الذي تنازل عن عرشه بعد توليه الحكم بسنة واحدة ليذهب بالأرض التي نسميها اليوم أمريكا لينشر الإسلام بها !

وكولومبوس نفسه أكد أنه عندما وصل إلى العالم الجديد وجد أناساً يشبهون الأفارقة في أشكالهم وهيئتهم وصنائعهم، هذا بخلاف ما تم اكتشافه من وثائق في أمريكا نفسها تؤكد تواجد إسلامي غير عادي بالعالم الجديد كما يسمونه، وأن أكثر من 75 مدينة وقرية في مختلف أنحاء أمريكا يعتقد أنها سميت بـ ( مكة ) من قِبل الهنود الحمر! وهو ما دعا بعض الباحثين من أمثال ( د. يوسف مروة ) و( د. فيل باري ) الأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية إلى الاعتقاد أن سبب تنافس تلك القبائل على تسمية مناطقها باسم ( مكة ) إضافة إلى تسمية العديد من مدنها وقراها وجبالها بأسماء أخرى مثل مدينة ( عرفة ) هو أحد الأدلة القاطعة على أصولهم الإسلامية التي جاءوا منها، وعلى معرفة أجدادهم بالإسلام، واشتياقهم لرؤية الأراضي المقدسة، وزيارة مكة لأداء مناسك الحج.

حالياً هناك ثلاث مدن وبلدات أمريكية باسم “مكة،” تقع إحداها في كاليفورنيا، والثانية في إنديانا، والثالثة في أوهايو، إلى جانب 18 مدينة وبلدة تحمل اسم “مدينة”، خمس منها تقع في تكساس، وست مدن باسم “القدس”، ويطلق عليها بعض الغربيين “جورسالم”، إضافة إلى بلدتَيْن باسم “محمد”، وينطقه الغربيون “محمت”، وبلدتَيْن باسم “عمر”، وبلدة باسم “قرآن” تقع في لويزيانا. وهناك مدن بإسم الإسكندرية ولبنان والخليل.

كريستوفر كولومبوس نفسه ذكر أن كوبا كان بها مساجد, و أورد أنه رأى جزيرة حمراء (في رحلاته لأمريكا) يحكمها رجل عربي ينادى بأبي عبد الله، كما اكتشف أن أهالي جزيرة سان سلفادور يتكلّمون ببعض الكلمات ذات العربية مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأى في الهندوراس قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي.

الإضافة الأخيرة لهذه النقطة من كتاب “انبعاث الإسلام بالأندلس” للأستاذ علي الكتاني: و ظلت إلى يومنا هذا الآثار الأندلسية قائمة في كل جنوب أمريكا. فبقي التأثير الإسلامي الأندلسي في التراث الفنزويلي المكتوب يظهر من وقت لآخر، أهمه إنتاج الكاتب الفنزويلي دون رفائيل دونقالس إي مندس (ولد سنة1878م) الذي اعتز بجذوره الإسلامية في مؤلفاته. و لازال كثير من الفنزويليين يفخرون بأصولهم الأندلسية الإسلامية.

و يعتز كذلك الكولومبيون بالتأثير الأندلسي الإسلامي. ونبغ في القرن التاسع عشر أخصائيون كولمبيون في الحضارة الإسلامية, منهم الدون أزكيال أوريكواشا. و عندما ضعفت قبضة الكنيسة على البلاد بعد استقلالها، وصلت الشجاعة ببعض الكتاب إلى الافتخار بالإسلام وحضارته، ومنهم من تعلم اللغة العربية وآدابها، أشهرهم دون روفينو خوزي كوارفو.

و دخل التراث الأندلسي الإسلامي إلى العمارة في البيرو و الأكوادور, كما أثر على كتابهما، كقصة كاتب البيرو الكبير دون ريكاردو بلما التب نشرها تحت عنوان “افعل الخير ولا تبال”, حيث اتخذ حياة الأمير إبراهيم جد الأمير الأموي مروان الثاني أساسا. والقصة مبنية على عظمة التسامح و الكرم اللذين أديا إلى أن يسامح الرجل ضيفه رغم اكتشافه أنه قاتل ابنه. ويوجد بالبيرو اليوم عطف على الإسلام، و كذلك الحال في بوليفيا.

و أثرت الحضارة الأندلسية الإسلامية في أدب الشيلي، كما يظهر ـ مثلا ـ في تراث الكاتب الشيلاني دون بدرو برادو الذي طبق القافية العربية على الشعر الإسباني، و نشر سنة 1921م ديوانا باسم أفغاني مستعار هو “رضائي روشان”، كما أصبحت عدة قصص عربية جزء من التراث الشعبي الشيلاني.

منع البرتغاليون هجرة الأندلسيين المسلمين إلى البرازيل عندما احتلوها في القرن السادس عشر. و رغم المنع، وصل كثير من البحارة الأندلسيين إلى البرازيل لمعرفتهم بالبحار والملاحة فيها، كما هاجر إليها سرا أندلسيون من منطقة الغرب (جنوب البرتغال), فأقامت الحكومة محاكم للتفتيش ضدهم. و في سنة 1594م, أخرجت المحكمة منشوراً توضح فيه علامات المخفي للإسلام، منها: الغسل والنظافة خاصة أيام الجمعة، والقيام الباكر، والصيام ونظافة الملابس. وحرقت تلك المحاكم كثيرا من الضحايا بتهمة الإسلام. وتوجد اليوم في البرازيل عائلات يعتز أفرادها بأصولهم الأندلسية, ويحتفظون في بيوتهم بمصاحف توارثوها عن أجدادهم جيلا بعد جيل. و منهم من اعتنق الإسلام, وقد كون هؤلاء جماعات إسلامية، خاصة في ساو باولو.

وهاجر الأندلسيون إلى مناطق أرجنتين اليوم, بسبب اضطهاد الكنيسة والدولة، لم يبق من إسلامهم إلا ذكرى يفتخرون بها. كما فعل كاتب أواخر القرن التاسع عشر دومنغو سارميانتو الذي كان يفتخر بأصله الإسلامي كسليل بني الرزين في شرق الأندلس. ويعتقد الكثيرون أن رعاة القاوشو في بوادي الأرجنتين هم من السلالات الأندلسية، وحافظو على الكثير من القيم الإسلامية العريقة. وأثرت الحضارة الأندلسية على كثير من الأدباء الأرجنتينيين كأنريكي لاريتا الذي كتب عن حياة الأندلسيين أيام الملك فيلبي الثاني في كتابه “انتصار الدون روميرو”, والكاتب قونسالس بالنسية في قصته “علامة الأسد”, وغيرهما.

وحصلت اليوم صحوة إسلامية أندلسية في الأرجنتين حيث أسس الأندلسيون الأرجنتنيون جماعة إسلامية، يتكون مكتبها الأول من: يوسف محمد على قرطيش (الرئيس) ومحمد بارسيا (الأمين العام), ومن أهم أعضائها أحد أعضاء عائلة “مولاي” سليلة بني الأحمر الذين احتفظوا بإسلامهم جيلا بعد جيل في الأندلس وهاجروا إلى أمريكا الجنوبية, ثم أعلنوا إسلامهم”.

هناك أبحاث عديدة أثبتت أن البرازيل اسم لعوائل البرازلة وهم من البربر فروا من البطش النصراني بالأندلس لأمريكا الجنوبية.

بقلم : أحمد عامر .

#مقالات_اندلسية
#حنون_البينو

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجراد_القاتل_التتار الجزء الثالث

أهم صفات الخوارج التي ذكرها النبي ﷺ

حصار عكا 1799