تاريخ الاسلام في الاندلس
🍃 تاريخ الإسلام في الأندلس { 68 } :
🌀 عصر الولاة...... القيسية واليمنية :
💥 المجاعة تجتاح الأندلس :
وأستقامت الأمور ليوسف الفهري والصميل بن حاتم بعد هذا النصر الحاسم على من كانوا يناوئهما من اليمنيين ، وكان الصميل كما رأينا شخصية قوية بعيدة الطموح ، في حين كان يوسف الفهري رجل مسنا في نفسه خمول ، فجعل الصميل يصرف الأمر من دونه ، ويستبد به حتى سئم الرجل وفكر في الخلاص من هذه الوصاية التي يفرضها عليه هذا القيسي القوي ، فعرض عليه أن يقيمه حاكما على إقليم سرقسطة ، وقبل الصميل ذلك ،وكان إقليم سرقسطة موطن معظم اليمنيين ،فأراد يوسف أن يذلهم بهذا القيسي القح ، وكانت البلاد تعاني إذ ذاك من مجاعة حادة لم يسلم من شرها إلا إقليم سرقسطة بفضل مياهه و خيراته ، فكان ذلك مما مال بالصميل إلى إطاعة أمر يوسف.
أما أسباب هذه المجاعة فترجع إلى هذه الحروب العنيفة التي وقعت بين العرب ، شامية ويمنية ، وبين العرب والبربر ، وقد رأينا أن هذه الحروب لم تكن قصيرة الأمد ولا محصورة الميدان ، وإنما إمتد شرها حتى شمل سكان البلاد جميعا وأقاليمها كلها ، وقد رأينا أن العرب إنجفلوا من المواضع التي كانوا قد إستقروا بها في الوسط والشمال والغرب وخلفوها لا يكاد يشرف على عمارتها أحد ، وأقبل البربر في أعقابهم وهجروا مواقعهم البعيدة وساروا نحو الجنوب ، ثم إنهزموا أمام العرب هذه الهزائم المتلاحقة، وتتبعهم هؤلاء بالأذى في كل ناحية حتى ضاقت بهم البلاد ، وأخذوا يهجرون الأندلس ويعودون إلى مواطنهم الأولى في إفريقية جماعات.
هكذا فقدت النواحي أعدادا عظيما ممن كان قد سكنها من العرب والبربر الذين كانوا يقومون على زراعتها وعمارتها ، فلا غرابة أن تقل المحاصيل وتتعرض البلاد لخطر المجاعة.
ثم إن هذه الحروب المتوالية بين العرب حينا ، وبين العرب والبربر حينا آخر قد دارت رحاها في الأقاليم الخصبة المزروعة في الجنوب والجنوب الشرقي ، فخرب كثير من المزارع وإضطرب أمر زراعها ، وزادت المحاصيل قلة تبعا لذلك.
وإنتهز النصارى الإسبان الفرصة وأخذوا ينحدرون إلى الجنوب وإحتلوا المنطقة الواسعة الواقعة بين نهري دويرة وتاجة وأخذوا يغازون المسلمين ، فأنضاف إلى الأندلس بلاء آخر جديد كانوا قد ظنوا أنهم إستراحوا منه ، وإجتمعت العوامل كلها فزادت الأمر حدة ، وإشتد الجوع وعظمت البلوى و إنعدم الأمن حتى تقطعت الصلات بين النواحي ، وبلغ من الأمر أن صاحب الأخبار المجموعة يذكر أن يوسف الفهري إحتاج مرة إلى رسول يبعثه إلى الصميل في إقليم سرقسطة فلم يجده ، إذ كان الرسل القادرون جميعا قد هلكوا ، وإنقطعت المواصلات أو كادت بين قرطبة وسرقسطة.
دامت هذه الحال خمس سنوات من سنة 131ھ إلى سنة 136ھ/755م ، و كانت هذه السنة الأخيرة هي أشدها وأقساها ، مما أدى إلى زيادة هجرة الناس إلى إفريقية.......
"وإنظم الناس إلى ما وراء الدرب الآخر و إلى قورية وماردة في سنة 136ھ ، وإشتد الجوع ، فخرج الناس إلى طنجة وأصيلا وريف البربر مجتازين مرتحلين ، وكانت إجازتهم من واد بكورة شذونة ، يقال له وادي برباط ، فخف سكان الأندلس ، وكاد أن يغلب عليهم العدو ، إلا أن الجوع شملهم " إلى هذا الحال إنتهى بمسلمي الأندلس تناحرهم بسبب العصبية ،وبسبب الرغبة في إذلال البربر والإستبداد بالأمر كله دونهم ، وسنتحدث عن ذلك بتفصيل أوفى حينما نتحدث عن مبادئ حركة الإسبان النصارى.
وقد سلم من هذه المجاعة الشديدة إقليم سرقسطة على ما قلناه ، لأن عربه أقاموا في مواضعهم لم يشتركوا في هذه الحروب الدامية إلا بنصيب قليل ،ولأن من كان يساكنهم من البربر في هذا الإقليم أقعدته كثرته على أن يثب بهم ،فلم تمتد نيران الحروب بين العرب والبربر إلى إقليم سرقسطة ، وبقي الإقليم كله على حاله من الرخاء و وفرة الخير ، فلما وصله الصميل وجد قومه في سعة ، و وجد جماعات العرب الذين مستهم المجاعة في أقاليم أخرى يتوافدون إليه إنتجاعا للخير ، وفطن الصميل إلى أن يوسف إنما بعثه إلى هذه الناحية لكي يذل أهلها من اليمنيين، ولكي تقع البغضاء بينه وبينهم ، فيشتغل بهم و يشتغلوا به ويخلص الأمر ليوسف ، فعول على كسب قلوب أعدائه ، ففتح خزائنه ومضى يعطي بكلتا يديه متناسيا عصبيته القيسية لكي يفوت على يوسف غرضه ، وكان الصميل داهية واسع الذكاء ، ساخرا من كل شيء ، لا يكاد يفعل أمرا عن إيمان ، قال صاحب الأخبار المجموعة " فلم يأته عدو أو صديق فحرمه ، فأزداد سؤددا ،وأقام بها أعوام الشدائد التي تتابعت "
----------------------------------------
تابعوا معنا..... في المنشور اللاحق بإذن الله...... "اليمنيون يثورون على الصميل في سرقسطة "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
🌀 عصر الولاة...... القيسية واليمنية :
💥 المجاعة تجتاح الأندلس :
وأستقامت الأمور ليوسف الفهري والصميل بن حاتم بعد هذا النصر الحاسم على من كانوا يناوئهما من اليمنيين ، وكان الصميل كما رأينا شخصية قوية بعيدة الطموح ، في حين كان يوسف الفهري رجل مسنا في نفسه خمول ، فجعل الصميل يصرف الأمر من دونه ، ويستبد به حتى سئم الرجل وفكر في الخلاص من هذه الوصاية التي يفرضها عليه هذا القيسي القوي ، فعرض عليه أن يقيمه حاكما على إقليم سرقسطة ، وقبل الصميل ذلك ،وكان إقليم سرقسطة موطن معظم اليمنيين ،فأراد يوسف أن يذلهم بهذا القيسي القح ، وكانت البلاد تعاني إذ ذاك من مجاعة حادة لم يسلم من شرها إلا إقليم سرقسطة بفضل مياهه و خيراته ، فكان ذلك مما مال بالصميل إلى إطاعة أمر يوسف.
أما أسباب هذه المجاعة فترجع إلى هذه الحروب العنيفة التي وقعت بين العرب ، شامية ويمنية ، وبين العرب والبربر ، وقد رأينا أن هذه الحروب لم تكن قصيرة الأمد ولا محصورة الميدان ، وإنما إمتد شرها حتى شمل سكان البلاد جميعا وأقاليمها كلها ، وقد رأينا أن العرب إنجفلوا من المواضع التي كانوا قد إستقروا بها في الوسط والشمال والغرب وخلفوها لا يكاد يشرف على عمارتها أحد ، وأقبل البربر في أعقابهم وهجروا مواقعهم البعيدة وساروا نحو الجنوب ، ثم إنهزموا أمام العرب هذه الهزائم المتلاحقة، وتتبعهم هؤلاء بالأذى في كل ناحية حتى ضاقت بهم البلاد ، وأخذوا يهجرون الأندلس ويعودون إلى مواطنهم الأولى في إفريقية جماعات.
هكذا فقدت النواحي أعدادا عظيما ممن كان قد سكنها من العرب والبربر الذين كانوا يقومون على زراعتها وعمارتها ، فلا غرابة أن تقل المحاصيل وتتعرض البلاد لخطر المجاعة.
ثم إن هذه الحروب المتوالية بين العرب حينا ، وبين العرب والبربر حينا آخر قد دارت رحاها في الأقاليم الخصبة المزروعة في الجنوب والجنوب الشرقي ، فخرب كثير من المزارع وإضطرب أمر زراعها ، وزادت المحاصيل قلة تبعا لذلك.
وإنتهز النصارى الإسبان الفرصة وأخذوا ينحدرون إلى الجنوب وإحتلوا المنطقة الواسعة الواقعة بين نهري دويرة وتاجة وأخذوا يغازون المسلمين ، فأنضاف إلى الأندلس بلاء آخر جديد كانوا قد ظنوا أنهم إستراحوا منه ، وإجتمعت العوامل كلها فزادت الأمر حدة ، وإشتد الجوع وعظمت البلوى و إنعدم الأمن حتى تقطعت الصلات بين النواحي ، وبلغ من الأمر أن صاحب الأخبار المجموعة يذكر أن يوسف الفهري إحتاج مرة إلى رسول يبعثه إلى الصميل في إقليم سرقسطة فلم يجده ، إذ كان الرسل القادرون جميعا قد هلكوا ، وإنقطعت المواصلات أو كادت بين قرطبة وسرقسطة.
دامت هذه الحال خمس سنوات من سنة 131ھ إلى سنة 136ھ/755م ، و كانت هذه السنة الأخيرة هي أشدها وأقساها ، مما أدى إلى زيادة هجرة الناس إلى إفريقية.......
"وإنظم الناس إلى ما وراء الدرب الآخر و إلى قورية وماردة في سنة 136ھ ، وإشتد الجوع ، فخرج الناس إلى طنجة وأصيلا وريف البربر مجتازين مرتحلين ، وكانت إجازتهم من واد بكورة شذونة ، يقال له وادي برباط ، فخف سكان الأندلس ، وكاد أن يغلب عليهم العدو ، إلا أن الجوع شملهم " إلى هذا الحال إنتهى بمسلمي الأندلس تناحرهم بسبب العصبية ،وبسبب الرغبة في إذلال البربر والإستبداد بالأمر كله دونهم ، وسنتحدث عن ذلك بتفصيل أوفى حينما نتحدث عن مبادئ حركة الإسبان النصارى.
وقد سلم من هذه المجاعة الشديدة إقليم سرقسطة على ما قلناه ، لأن عربه أقاموا في مواضعهم لم يشتركوا في هذه الحروب الدامية إلا بنصيب قليل ،ولأن من كان يساكنهم من البربر في هذا الإقليم أقعدته كثرته على أن يثب بهم ،فلم تمتد نيران الحروب بين العرب والبربر إلى إقليم سرقسطة ، وبقي الإقليم كله على حاله من الرخاء و وفرة الخير ، فلما وصله الصميل وجد قومه في سعة ، و وجد جماعات العرب الذين مستهم المجاعة في أقاليم أخرى يتوافدون إليه إنتجاعا للخير ، وفطن الصميل إلى أن يوسف إنما بعثه إلى هذه الناحية لكي يذل أهلها من اليمنيين، ولكي تقع البغضاء بينه وبينهم ، فيشتغل بهم و يشتغلوا به ويخلص الأمر ليوسف ، فعول على كسب قلوب أعدائه ، ففتح خزائنه ومضى يعطي بكلتا يديه متناسيا عصبيته القيسية لكي يفوت على يوسف غرضه ، وكان الصميل داهية واسع الذكاء ، ساخرا من كل شيء ، لا يكاد يفعل أمرا عن إيمان ، قال صاحب الأخبار المجموعة " فلم يأته عدو أو صديق فحرمه ، فأزداد سؤددا ،وأقام بها أعوام الشدائد التي تتابعت "
----------------------------------------
تابعوا معنا..... في المنشور اللاحق بإذن الله...... "اليمنيون يثورون على الصميل في سرقسطة "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقات
إرسال تعليق