غزوة شانت ياقب (سانت يعقوب)
▫️عام(387هجرية=997 ميلادية)
عزم (الحاجب المنصور) أن يقتحم(شانت يعقوب)
عاصمة"جيلقية" أخر معقل للنصارى في شمال غرب الأندلس وكانت منطقة وعرة وتعد من أخطر المناطق الأندلسية، لم يصل المسلمون إليها إلا أيام الفتح من عهد(موسى بن نصير وطارق بن زياد) ثم خرجت من أيدي المسلمين، فقررالمنصور أن يعيدها إلى حكم المسلمين، اذ أيقن أنه من المحال تحقيق الاستقرار والهدوء في الأندلس مع بقاء(جيليقية) صامده قوية.
فقرر أن يقتحم هذه المنطقة الصعبة، فوجود عشرات الأنهار مابين عاصمته (قرطبة) وبين(شانت ياقب)تجعل العبور بالغ الصعوبة، بالأضافة إلى سلاسل الجبال الوعرة
وكانت مدينة مقدسة عند النصارى، يأتونها من مختلف بقاع الأرض ليزوروا قبر هذا القديس
▫️قال ابن عذاري المراكشي :إنها أعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس ومايتصل بها من الأرض الكبيرة ، وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا فبها يحلفون، وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها.
واحتلت الكنيسة في(جيليقية) هذا المكانة لوجود قبر هناك يزعمون أنه قبر(يعقوب الحواري)احد حواري عيسى عليه السلام، وأنه قد خرج من القدس يبشر بدين المسيح ويدعوا إلى الله حتى وصل إلى هذه البقعة، ولما مات بعد عودته إلى بلاد الشام، حمل أصحابه رفاته ليدفنوه في أقصى المكان الذي بلغه في دعوته، فدفنوه في ذلك المكان ولقبت الكنيسة باسمه.
وكان ملوك نصارى الشمال كلما هاجم(ابن أبي عامر
عواصمهم فروا إلى هذه المنطقة القاصية الوعرة؛ يحتمون فيها من بأس المسلمين؛ ولهذا قَّرر ابن أبي عامر أن يذهب إلى هذه المدينة ، وأن يحطم أسوارها وحصونها؛ولِيُعلْمَ هؤلاء أن ليس في شبه الجزيرة كلها مكان يحتموا فيه من ابن أبى عامر.
رأى( المنصور بن أبى عامر )أنه لا يمكن أن يصل إلى هذه البقعة إلا بالكتمان ، كتمان استعداداته وطريق مسيره ليأخذهم بغتة.
أمر المنصور بإعداد جيش البر من مدينة"سالم " ثم ينطلق منها، وأن يعدّ الجيش البحري(الأسطول) من مدينة(قصر أبي دانس) وسيحمل الأسطول العدة والطعام، ومع الأسطول قوات الهندسة.
وقد أخذ الأستعداد لهذه الغزوة وقتاً طويلاً، لأن الخطة التي رسمها المنصور قد نفذت بدرجة مذهلة في إطار حملة حملة(برية بحرية)معاً.
قاد المنصور الحملة في (الرابع والعشرين )من جمادى الأخر ، وهي غزوته (الثامنة والأربعون) وكانت من أعظم الغزوات قاطبة، وقاد المنصور بن أبي عامر بنفسة القوات البرية حتى وصل إلى نهر"دويرة" وأمر أن تدخل السفن في النهر وجانب المحيط الأطلسي، واصطفت السفن سفينة جنب أخرى حتى تشكل جسراً يمكن العبور عليه، ويتزود الجند مما فيها من الطعام.
فتح في طريقه مدينة"بورتو" موضع التقاء القوات البرية والبحرية،ثم جازها، وكان سلاح الهندسة يوسع للجند الممرات الضيقة، ويردمون العوائق البسيطةوعبروا الجبال إلى أن وصل الجيش إلى (حصن بلاي)ففتحه، ولم يكن المسلمون قد فتحوه من قبل، وأتم طريقه ،يعبر السهول والجبال حتى وصل إلى:
(حصن شانت ياقب) في الثاني من شهر شعبان أي بعد مسيرة استغرقت أربعين يوماً.
لم يكن سكان تلك المدينة يعتقدون أن المسلمين سيصلون إلى مدينتهم،لكنهم لما رأوا طلائعهم ووصلتهم أنباء تقدمهم،
ففروا إلى الجبال وأخلوها بسرعة،دخل الجيش الإسلامي المدينة وليس فيها أحد، وبغير قتال فجمعت الغنائم الكثيرة التي تركها أهل المدينة.
قرر (المنصور بن أبي عامر )أن يمر على القبر المقدس لدى النصارى هناك، فلما وصل إليه لم يجد أحداً سوى شيخ طاعن في السن عاكف عليه
فسأله الحاجب: ماذا تفعل هنا؟ فأجابه أؤنس صاحب القبر. فتعجب منه المنصور ومن وفائه لهذا القبر الذى لاينفعه في الدنيا ولا في الأخرة.
فأعطى إبن أبي عامر أوامره بتدمير كل مصنع حربي،وإحراق السفن، وهدم حصون هذه المدينة وأسوارها وقلاعها،دون أن يمس القبر أوالكنائس،ثم أمر بالرحيل والعودة وقد وصلت أخبار فتوحاتة إلى روما والقسطنطينية ، فكان إنتصاراً عظيماً فرح به المسلمين في أنحاء العالم
فقد كان رحمه الله حريصاً على الأمة ومجدها.
آثاره تنبيك عن أخباره
حتى كأنك بالعيان تراه
تا الله لا يأتي الزمان بمثله
أبداً ولا يحمي الثغور سواه
📚 المصادر والمراجع:
كتاب (دولة الإسلام في الأندلس)
محمد عبد الله عنان.
كتاب(قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط)
للدكتور:راغب السرجاني.
كتاب (تاريخ الأندلس المصور)
للدكتور: طارق السويدان.
كتاب (التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة).
للدكتور: عبد الرحمن علي الحجي.
كتاب (البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب)
ابن عذاري المراكشي.
كتاب(نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)
للمقري التلمساني
_______________ صفية المدني
تعليقات
إرسال تعليق