سيدنا المثنى بن حارثة الشيباني


وبينما سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يتجول بين مجالس الحجاج، وجد مجلسًا تظهر عليه مظاهر السكينة والوقار، فتقدم فسلم عليهم ثم سألهم : ممن القوم ؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت إلى رسول الله ﷺ وقال: بأبي وأمي هؤلاء غرر في قومهم، وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك ، فقال سيدنا أبو بكر: كيف العدد فيكم؟

فقال مفروق : إنا لنزيد على الألف، ولن تغلب الألف من قلة.

فقال سيدناأبو بكر: كيف المنعة فيكم؟

فقال مفروق : علينا الجد والجهد ولكل قوم حد.

فقال سيدنا أبو بكر: وكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟

فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا مرة أخرى.

عندها نظر مفروق إلى سيدنا أبي بكر وقد اعتقد أنه ذلك الرجل القرشي الذي يقول أنه نبي ، وقد كانت العرب تتناقل أخبار رسول الله ﷺ ، فقال لسيدنا أبي بكر: لعلك أخو قريش؟ )أي هل أنت ذلك القرشي الذي تدعي النبوة ؟

فقال سيدنا أبو بكر: أو قد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا.

فقال مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك، فإلام تدعون إليه يا أخا قريش؟

فتقدم رسول الله ﷺ فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله ﷺ وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد.

فقال مفروق : وإلام تدعو إليه أيضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا }، إلى قوله : { ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }

فقال له مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون }

فقال مفروق : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. ثم قال : وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا.

فقال هانئ : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر لوهن في الرأي وقلة نظر في العاقبة ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ، ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر.

وكأنه أحب أن يشرك في الكلام المثنى بن حارثة فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا. عندها قال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا إياك في مجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر، وإنا إنما نزلنا بين صريان اليمامة والسماوة. فقال رسول الله ﷺ: ما هذان الصريان ؟ فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب فذنبه مغفور وعذره مقبول، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى ، لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا.

وإني أرى أن هذا الأمر مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله ﷺ : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم في الصدق ، فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش. فتلا رسول الله ﷺ : { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا }

سبحان الله، يا له من اختيار ذلك الاختيار الذي اختاره المثنى ، لقد أدرك زعماء قبيلة بني شيبان روعة حديث رسول الله ﷺ وسمو رسالة الإسلام إلا أنهم تركوا الاختيار النهائي لوزير دفاعهم وصاحب حربهم سيدنا المثنى بن حارثة فكان الاختيار، فالحياة كلها عبارة عن اختيارات ، اختيار قد يرفعك إلى عنان السماء ، واختيار قد يطيح بك إلى سابع أرض، واختيار بين ذلك وذلك فكان اختيار سيدنا المثنى الذي حرم قبيلة بني شيبان فضلًا على سائر العرب لقد عرض رسول الله ﷺ على المثنى أن يهاجر إليهم على أن يقوموا بنصرته، فاختار المثنى اختياره، كان هذا العرض هو نفسه العرض الذي عرضه الرسول ﷺ لاحقًا على قبيلتي الأوس والخزرج، أي أن الأنصار كانوا سيكونون من بني شيبان وليس من الأوس والخزرج لو كان المثنى قبل بعرض الرسول ﷺ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجراد_القاتل_التتار الجزء الثالث

أهم صفات الخوارج التي ذكرها النبي ﷺ

حصار عكا 1799